التحفيز بأبسط العبارات هو : مجموعة من الدوافع التي تدفعنا لعمل شيء ما , وهو بهذه العبارة يعني التغيير الايجابي نحو الأفضل .
إن أدوات التحفيز تساعد كثيراً المربي والقائد في ايجاد بيئة تربوية في مناخ نفسي مطمئن ، لهذا تجد أن أكثر الناس إن لم يكن كلهم هو بحاجة إلى التحفيز الذي يساعد على هذه الطمأنينة والراحة النفسية .
ولقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم وهو القائد والمربي والإمام والنبي على تحفيز أصحابه رضوان الله عليهم في غير ما موضع ، وقد كانت آثار هذا التحفيز النبوي بادية واضحة في سيرته صلى الله عليه وسلم .
ولأنه القدوة صلى الله عليه وسلم والأسوة ، كما قال ربنا سبحانه وتعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21، ولهذا قال الإمام ابن كثير في تفسيره : ( هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله )، فإنني سأستعرض في هذه السطور مجموعة من مجالات التحفيز التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم .
أولاً / التحفيز بإظهار الحب والاهتمام :
فهذا صاحبه وخادمه ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه ، يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أهل الصفة الفقراء ، ولقد تجلى موقف التحفيز النبوي مع هذا الصحابي الكريم في هاتين القصتين :
الأولى :عندما قال رضي الله عنه ، كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا ربيعة ألا تزوج قلت لا والله يا رسول الله ما أريد أن أتزوج وما عندي ما يقيم المرأة وما أحب أن يشغلني عنك شيء فأعرض عني ثم قال لي الثانية يا ربيعة ألا تزوج فقلت ما أريد أن أتزوج ما عندي ما يقيم المرأة وما أحب أن يشغلني عنك شيء فأعرض عني ثم رجعت إلى نفسي فقلت والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم مني بما يصلحني في الدنيا والآخرة والله لئن قال لي أتزوج لأقولن نعم يا رسول الله مرني بما شئت فقال لي يا ربيعة ألا تزوج فقلت بلى مرني بما شئت قال انطلق إلى آل فلان حي من الأنصار كان فيهم تراخ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة لامرأة منهم فذهب إليهم فقلت لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فقالوا مرحبا برسول الله وبرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يرجع رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا فقلت يا رسول الله أتيت قوما كراما فزوجوني وألطفوني وما سألوني البينة وليس عندي صداق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بريدة الأسلمي اجمعوا له وزن نواة من ذهب قال فجمعوا لي وزن نواة من ذهب فأخذت ما جمعوا لي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم قال اذهب بهذا إليهم فقل لهم هذا صداقها فأتيتهم فقلت هذا صداقها فقبلوه ورضوه وقالوا كثير طيب قال ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا فقال يا ربيعة مالك حزين فقلت يا رسول الله ما رأيت قوما أكرم منهم ورضوا بما آتيتهم وأحسنوا وقالوا كثير طيب وليس عندي ما أولم فقال يا بريدة اجمعوا له شاة فجمعوا لي كبشا عظيما سمينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب إلى عائشة فقل لها فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام قال فأتيتها فقلت لها ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هذا المكتل فيه سبع آص شعير لا والله لا والله إن أصبح لنا طعام غيره خذه قال فأخذته فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بما قالت عائشة قال اذهب بهذا إليهم فقل لهم ليصبح هذا عندكم خبزا وهذا طبيخا فقالوا أما الخبز فسنكفيكموه وأما الكبش فاكفونا أنتم فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم فذبحناه وسلخناه وطبخناه فأصبح عندنا خبز ولحم فأولمت ودعوت النبي صلى الله عليه وسلم ) رواه أحمد بسند حسن .
وفي هذه القصة صور متألقة من التحفيز النبوي ، ومنها :
1. إلحاح النبي صلى الله عليه وسلم على ربيعة رضي الله عنه بالزواج مع علمه بفقره وحاجته ، لعلمه صلى الله عليه وسلم مدى حاجة الإنسان للزواج .
2. إحساس التحفيز استقر في قلب ربيعة رضي الله عنه مع تكرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، لهذا قال
ثم رجعت إلى نفسي فقلت والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم مني بما يصلحني في الدنيا والآخرة والله لئن قال لي أتزوج لأقولن نعم يا رسول الله مرني بما شئت ) .
3. لم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوة ربيعة للزواج فحسب بل ساعده عليه وسلم بوجهاته ، في اختيار الزوجة ، ووليمة الزواج .4. ثم كان تحفيز منه صلى الله عليه وسلم من نوع آخر ، عندما شرف تلك الوليمة بحضور ذلك الزواج المبارك .
أما القصة الثانية : فهي قول ربيعة رضي الله عنه : كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأتيته بوضوئه وحاجته . فقال لي " سل " فقلت : أسألك مرافقتك في الجنة . قال " أو غير ذلك ؟ " قلت : هو ذاك . قال " فأعني على نفسك بكثرة السجود " رواه مسلم.
أي تحفيز بعد هذا التحفيز وأي تواضع بعد هذا التواضع وأي تكريم بعد هذا التكريم ، وكيف بالرسول الذي يوحى إليه صلى الله عليه وسلم وهو يسأل خادمه عن حاجته ، وهذا الأمر لم يكن مخصوصاً بربيعة فحسب بل شامل لجميع خدمه صلى الله عليه وسلم ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح : (كان مما يقول للخادم : ألك حاجة ) ، وفي هذا بيان باهتمامه صلى الله عليه وسلم بكافة شرائح المجتمع وتحفيزهم .إن التحفيز بإظهار الحب والاهتمام تكرر من النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع ، والأحاديث والسيرة النبوية شاهدة على ذلك .
ثانياً / التحفيز بلفت الانتباه :
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه : ) أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له إنها ماتت قال فهلا آذنتموني ، فأتى قبرها فصلى عليها ) ، هذه المرأة السوداء رضي الله عنها كانت تكنس المسجد وتزيل ما فيه من القذرات ، وبفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا كأنه ينقل لنا مجموعة من الرسائل التحفيزية :
أولها : تحفيز هذه المرأة رضي الله عنها بإتيان قبرها والصلاة عليها من أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم وهذه منقبة ظاهرة لهذه المرأة رضي الله عنها .
الثاني : أن صلى الله عليه وسلم بفقدها لها يوضح للأمة ما ينبغي أن يكون عليه القائد بالاهتمام بكافة شرائح المجتمع .
ثم رسالة ثالثة ومهمة وهي أن البعض قد يستصغر ما كانت تقوم هذه المرأة من كنس المسجد ، ولهذا جاء في بعض الروايات الصحيحة (فكأنهم صَغَّرُوا أمرها ) فبين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله واهتمامه هذا أن تقدير العاملين ينبغي أن يكون للجميع مهما كان صفة عمله ، ولننظر إلى أولئك نظرة احترام وتقدير لما يقدمون .
ثالثاً / التحفيز بالعاطفة وذكر الحقائق :
ومن أبلغ أمثلة التحفيز النبوي على هذا النوع ، هذه القصة العظيمة التي حفظتها لنا كتب السنة ، ومفادها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح حنينا قسم الغنائم فأعطى المؤلفة قلوبهم فبلغه أن الأنصار يحبون أن يصيبوا ما أصاب الناس فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي ومتفرقين فجمعكم الله بي ويقولون الله ورسوله أمن فقال ألا تجيبوني فقالوا لله ورسوله المن والفضل فقال أما إنكم لو شئتم أن تقولوا كذا وكذا وكان من الأمر كذا وكذا لأشياء عددها زعم عمرو أن لا يحفظها فقال ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل وتذهبون برسول الله إلى رحالكم الأنصار شعار والناس دثار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار .
بهذه الكلمات خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قلوب الأنصار رضي الله عنهم ومشاعرهم قبل أن يخاطب آذانهم ، وأكد لهم حقيقة الأمر ، وحفزهم عليه الصلاة والسلام حتى رضوا بالله ورسوله والدار الآخرة ، وكان من وصفهم ( فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا : رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا )
رابعاً / التحفيز المادي :
ومن تنويع النبي صلى الله عليه وسلم في التحفيز فقد كان يحفز البعض بالمادة ، وقصة الأنصار السابقة دليل على تحفيزه صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، تحفيزاً للناس لهذا الدين وترغيباً لهم بالإسلام ، ففي صحيح مسلم ، عن أنس رضي الله عنه : (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه . قال فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين . فرجع إلى قومه ، فقال : يا قوم أسلموا . فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة )
• خامساً / التحفيز المعنوي : حفظت لنا كتب السيرة هذه القصة التحفيزية ، فقد كان مفتاح الكعبة قبل فتح مكة مع بني أبي طلحة ، وذات يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم :ادعوا إلي عثمان فدعي له عثمان بن أبي طلحة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان يوما ، وهو يدعوه إلى الإسلام ومع عثمان المفتاح فقال لعلك سترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت فقال عثمان لقد هلكت إذا قريش وذلت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل عمرت وعزت يومئذ . فلما دعاني بعد أخذه المفتاح ذكرت قولة ما كان قال . فأقبلت فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر . ثم قال ( خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها إلا ظالم يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته . فكلوا بالمعروف . قال عثمان فلما وليت ناداني فرجعت إليه . فقال ألم يكن الذي قلت لك ؟ قال فذكرت قوله لي بمكة فقلت : بلى ، أشهد أنك رسول الله فأعطاه المفتاح )هذا التحفيز المعنوي من النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي طلحة جعله يسلم وينطق بالشهادة فرضي الله عنه وأرضاه .
سادساً / التحفيز بالتلقيب المناسب :
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحفز أصحابه رضوانه عليهم ويصفهم بألقاب يحملونها في حياتهم وبعد مماتهم وهي منقبة لهم عظيمة وكبيرة .
فلقب أبا بكر بالصديق تحفيزاً له على تصديقه ومؤازرته للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولقب خالداً بن الوليد بسيف الله تحفيزاً له شجاعته وإقدامه في الغزوات ، ولقب أبا عبيدة بأمين هذه الأمة ، وغيرها من الألقاب التي بقيت لهم وسام شرف من قائد الأمة صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وأرضاهم .
سابعاً / التحفيز بالقول :
وهذا النوع من أكثر من أنواع التحفيز التي كان صلى الله عليه وسلم يكثر منها وسأكتفي بثلاثة أمثلة على ذلك :
1. في الحديث الصحيح قال صلى الله لعيه وسلم : ( أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا و قال بإصبعيه السبابة و الوسطى ) .
2. قال صلى الله عليه وسلم : (من قال : سبحان الله وبحمده ، في يوم مائة مرة ، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ) رواه البخاري .
3. قال صلى الله عليه وسلم : ( من سن في الإسلام سنة حسنة ، فعمل بها بعده ، كتب له مثل أجر من عمل بها . ولا ينقص من أجورهم شيء ) رواه مسلم .
ثامناً / تحفيز العقول بالسؤال والتعلم :
لقد تكرر من النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب تحفيز عقول أصحابه رضوان الله عليهم عن طريق السؤال ، فتارة يقول لهم : ( أتدرون من المفلس ؟ ) وأخرى يقول لهم : ( أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة ؟ ) وثالثة يقول لهم : (أتعلمون من الشهيد من أمتي ؟ )
كل هذه الأسئلة منه صلى الله عليه وسلم تستثير عقول أصحابه رضوان الله عليهم وتحفزهم للتعلم والاستزادة من الخير .
تاسعاً / التحفيز عن طريق الخوف :
وهو نوع معروف عند من تحدثوا عن التحفيز وأنواعه ، ويعني على مستوى المؤسسات عندما تكون المؤسسة مهددة بالخطر يبذل معظم الأفراد جهودا استثنائية لزيادة فعالية العمل فيذكر القائد الأفراد بالأخطار التي تحيط بالمؤسسة .
وقد النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم هذه الطريقة في بادئ الدعوة عندما كان المسلمون في حالة استضعاف ، ولهذا لما اشتكى إليه أحد أصحابه الأذى ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إنه كان فيمن قبلكم من يمشطون بأمشاط من حديد فيما بين لحمه وعظمه فلا يصده ذلك عن دينه، ومنهم ينشر حتى ينفلق إلى شقين لا يصده ذلك عن دينه ... ولكنكم قوم تستعجلون ) وفي هذه العبارات تحفيز وتسلية لهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم .
عاشراً/ التحفيز بالإقناع :
جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الزنا ، فلم ينهره ولم يزجره ، بل دار بينهما الحوار التالي بعد أن أدناه منه وقربه :
قال صلى الله عليه وسلم: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله ، جعلني الله فداءك.قال: "ولا الناس يحبونه لأمهاتهم".قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: "لا والله يا رسول الله ، جعلني الله فداءك".قال: "ولا الناس يحبونه لبناتهم".قال: أفتحبه لأختك؟ قال: "لا والله ، جعلني الله فداءك".قال: "ولا الناس يحبونه لأخواتهم".قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: "لا والله ، جعلني الله فداءك".قال: "ولا الناس يحبونه لعماتهم".قال: أفتحبه لخالتك؟قال: "لا والله ، جعلني الله فداءك".قال: "ولا الناس يحبونه لخالاتهم".قال – راوي الحديث – فوضع يده عليه ، وقال: "اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه ، وحصن فرجه" فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ) رواه مسلم .هذه نماذج يسيرة لإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في جوانب له تحكي عنايته بتحفيز النبي عليه السلام لأصحابه رضوان الله عليهم .
د.محمد بن عدنان السمان
مدرب معتمد ، وخبير في الجودة في المؤسسات التربوية
المدير التنفيذي لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها